سادغورو: معظم النّاس يقومون بتكوين جزء كبير من شخصيتهم دون وعي. فقط جزء صغير منها يُمكن أنْ يُخلق عن وعي. عندما تشرع في خلقِ شخصيّتك، هذا يعني أنّك تظنّ أنّ الخالق لم يقمْ بالعمل عليك بالشكل الكافي. فإذا كنت تعتقد أنَّ شيئًا ما يحتاج إلى تحسين، وفقًا لما تحسبه بالتأكيد، فإنّ الخالق لم يقمْ بالعمل عليك بالشكل الكافي.

 

الشيء الوحيد الذي يحتاج أنْ تُحافظ عليه هو جسدك المادّي. شخصيّتك لا تحتاج إلى أنْ تحافظ عليها.

 

لماذا تشعر أنّ مثل هذا الخلق الشاسع – هذا الشيء المذهل – ليس جيّدًا بما فيه الكفاية؟ هذا بسبب عملية بسيطة خاصة بالحفاظ على الذّات. فهي عملية أساسيّة موجودة في كلّ خليّة من خلايا الجسم. فكلّ دودة، وكل ّحشرة، وكلّ حيوان لديْه هذه العملية، وهي موجودة لدى البشر أيْضًا. المشكلة هي أنّنا لا نعرف كيف نُسيطر على عمليّة الحفاظ على الذّات. لقد انتشرت في كلّ مكان ولذلك، فقد خلقتَ شخصًا هزيلًا من نفسِك يقوم بالدّفاع عن نفسه طوال الوقت.

 

الشيء الوحيد الذي يحتاج أنْ تحافظ عليه هو جسدك المادّي. شخصيّتك لا تحتاج إلى أنْ تحافظ عليها. حتّى لو قُمنا بضربِها بمطرقة كلّ يوم، تظلّ على ما يرام. لا يُمكنك العيش بدون شخصية. فأنت في حاجة إلى وجودها هنا، لتسلك دروب هذا العالم، وتقوم بعملك، وتدير شؤونك. ولكن في حال كانت مرنة، فيُمكنك أنْ ْتتقلّد الشخصية المناسبة في المكان المناسب طبقًا للوضع. سيكون هذا جيّدًا. لكنّها حاليًا مثل الصخرة. جاثمة فوقك طوال الوقت. وتجعلك تعاني من أيّ شيء لا يتناسب مع أفقها.

 

الكاريكاتير المرسوم ذاتيًّا

من رسم هذا الكاريكاتير الذي تُسمّيه ”نفسي“؟ لقد رسمته أنت بالتأكيد، لكنّك تأثرت بالكثير من النّاس من حولك. عندما كان عمرك 15 أو 16 عامًا، بعد مشاهدة بعض الأفلام التي أعجتك حقًا، حاولت السير مثل البطل دون وعي منك، أليس كذلك؟ في بعض الأحيان ربما فعلت ذلك بوعي، ولكن في معظم الأحيان يحدث ذلك دون وعي. فهذا الكاريكاتير جاء إلى الوجود نتيجة قيامك بتجميع تلك القطع والأجزاء معًا.

 

عندما كنا في المدرسة، كان هناك صبي يدرس معي وكان ذا يدٍ ماهرة. كان بإمكانه أنْ يرسم أيَّ شخص بأيّ تشويه يريده. كان هناك معلم الجغرافيا وكان مكروهًا جدًّا. ذات مرة، عندما دخل الصف، كان هذا الصبيّ قد رسم صورة كاريكاتورية مُفزعة له على السبّورة. وكانت مشوّهة بشكل سيِّئ ولكن الجميع استطاع أنْ يتعرّف عليه بوضوح.

 

إذا كان بإمكانك المشي في الشارع والتعامل مع الناس بطريقة تجعلك تتقلّد الشخصيّة التي تتناسب مع الشّخص الذي أمامك في هذه اللحظة، سيكون الأمر مُمتعًا جدًا كما لو كنت تقوم برسم رسوم كاريكاتورية جديدة كلّ يوم!

 

كان هذا الرجل يدخل الفصل بحالة مزاجية سيّئة دائمًا. سواء كان يتحدّث عن المراعي في أمريكا أو الصحاري في أفريقيا، كان دائما في حالة مزاجية سيئة. وفي اللّحظة التي رأى فيها هذا، غضِب من ناحية ومن ناحية أخرى صار كأنّما صدمه الأمر برمّته – تلك التشوّهات. ثم سأل: "من المسؤول عن هذه الفظاعة؟" كالعادة، صار الجميع مهتمّين فجأةً بالجغرافيا وأصبحوا مُجتهدين جدًّا. ثمّ كرّر مرّة أخرى، "من المسؤول عن هذه الفظاعة؟" ففكّر أحدهم ثم ّوقف يقول: ”نحنُ حقًّا لا نعلم، ولكن، آه، يجب أنْ يكون والداه!“

 

هذه الفظاعة التي تُسمّيها ”نفسي“، ليست والديك. بل هي أنت. مع وجودك في هذه الحياة، عُرِضت عليك إمكانات غير محدودة. ولكن بتشويه نفسك وحصرها في هذه الإمكانيّة الضئيلة، قمت بارتكاب فظاعة.

 

هذا الكاريكاتير لا يُمكن أن يوجد ولو ليومٍ واحد دون دعمك. فأنت تحتاج إلى دعمه طوال الوقت. ما يعنيه التأمّل هو أنّك، بطريقةٍ ما، تقوم فقط بسحب الدّعم لشخصيّتك، هذا كلّ شيء. فجأة تنهار. ويبقى الوجود فقط هناك، أمّا الشخص فلم يعد هناك.

 

إذا كان بإمكانك المشي في الشارع والتعامل مع الناس بطريقة تجعلك تتقلّد الشخصيّة التي تتناسب مع الشخص الذي أمامك في هذه اللحظة، سيكون الأمر ممتعًا جدًا كما لو كنت تقوم برسم رسوم كاريكاتورية جديدة كلّ يوم! ولكن بمجرّد أنْ تلتصق بتشويهٍ معين، يُصبح ذلك مشكلة. إذا أصبح لديك تشوّه جديد كلّ يوم، فهذا ما يطلق عليه الفن! ولكن إذا أصبحت عالقًا في تشوّه واحد، فأنت عاجز. وهذا هو الفرق الكبير.

 

ملاحظة المحرّر: للحصول على المزيد من رؤى سادغورو، يُمكنك تنزيل ”من الخلق إلى الخالق“، المتوفّرة على أساس ”الدفع طبقًا لرغبتك“.